مكتشفات "الدامشلية" على "البليخ"

مكتشفات "الدامشلية" على "البليخ"


المصدر: موقع الرقة

eraqqa

في آخر مرحلة من مراحل العصر الحجري الحديث في تل "حمام صغير"، "الدامشلية"، يبدو أنَّ الاستيطان كان ضعيفاً، ففي الطبقة الأثرية السابعة التي تمثل المرحلة ذاتها، عثر المنقبون على فخار قليل نسبياً، أما في الطبقات الأثرية السفلى، فلم يعثر فيها هي الأخرى إلاَّ على كسر قليلة من الفخار..
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
وفي الطبقتين الأثريتين رقم /1/ و/2/ لم يعثر فيهما على أي نوع من الفخار، وهذه حالة غريبة جداً، وعموماً فإنَّ الفخار المكتشف هو من النوع المصنوع باليد وله شكل غير منتظم، وأنَّ معظم الكسر التي عثر عليها هي من هذا النوع، ويلاحظ فيها بقايا نباتية، في صنعها، مع بعض المواد المعدنية ذات نسبة قليلة جداً لا تتعدى/1%/، مثل "الجير"، و"الكالسيت"، و"الرمل"، ومن ناحية ثانية فإنَّ أغلب الأواني الفخارية المكتشفة هي غير ملونة إلا القليل منها، وقد عثر المنقبون على بعض الكسر الفخارية ملقاة على سطح التل، عليها رسومات منفذة بألوان بني وبرتقالي ومصقولة قليلا، كما أنَّ الأواني ذات أشكال مختلفة، والأكثر شيوعاً بينها الجرار المتطاولة الكبيرة الحجم، ذات البطن المتطاول، وهناك نوع آخر من الجرار الضيقة الفوهة، مزودة بمقابض مجدولة الشكل، وبعضها لها مقابض بارزة، وهناك أوانٍ ذات أشكال مختلفة.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
وإلى جانب المصنوعات الفخارية، عُثر أيضاً في تل "الدامشلية"، على مصنوعات حجرية من الصخور الكلسية الموجودة بالقرب من التل على شكل مقالع. إنَّ وجود مثل هذه البقايا الحجرية التي تختلف عن الصناعات الحجرية هو دليل استثمار مبكر من قبل السكان لتلك الصناعات.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
لقد عثر المنقبون على بقايا من حجر "الأوبسيديان" في "الدامشلية"، الذي كان السكان يصنعون منه أدواتهم على شكل سكاكين وسهام للاستعمال اليومي، وكان السكان يحصلون عليه من بلاد الأناضول عن طريق التجارة بواسطة قوافل الحمير، وكانت كل قافلة تضم مئة حمار تقريباً، "حسب الرقم المسمارية المكتشفة مؤخراً، التي تتحدث عن قوافل التجارة مع الأناضول"، وكانوا يحملون عليها على شكل كتل خام، حيث تشذب محلياً، ويصنع منها أمواس صغيرة، وقد عثر المنقبون على كميات طيبة منها، عدد كبير منها معروض في متحف "الرقة" الأثري.

كانت هذه الأمواس شائعة في "الدامشلية"، حيث أنها تشكل /16%/ من نماذج الصناعات الحجرية
من فخار الرقة
المكتشفة في الموقع، كما أنَّ المنقبين عثروا أيضاً على نماذج أخرى من هذه الصناعات مثل: أمواس المناجل ذات الأطراف المصقولة، ورؤوس السهام ذات المقابض المشغولة المتقنة الصنع، وهي بذلك تكون قريبة الشبه من تلك التي تم العثور عليها في "جبيل" لبنان، وعُثر أيضاً على سهام تشبه سهام العمق، وفي كل من "حمص" و"حماة"، أما المقاشط والفؤوس وكذلك المخارز فهي قليلة ونادرة.

إنَّ موقع "الدامشلية" يعتبر من المواقع الصغيرة، وحسب التقديرات الأولية فإنَّ عدد سكانه لا يزيد على الثلاثين أو الأربعين نسمة، وهذه الحالة كان يتميز بها وادي حوض "البليخ"، إذ أمكن التعرف عن طريق المسح الأثري، على أكثر من عشرين موقعاً تضم كسراً فخارية من العصر الحجري الحديث، وهي تكون على شكل تجمعات صغيرة، وليس هناك من شكًّ، بأن تل "الدامشلية" يُشكِّل حالة عامة بالنسبة لكل مستوطنات العصر الحجري الحديث، من حيث صغر حجمه، وقلة عدد سكانه، لكن هذه المستوطنة، والمستوطنات الأخرى على صغر حجمها، تميزت بازدهار ثقافي حضاري محلي ذا مستوى متطور، وذلك منذ النصف الثاني من الألف السابعة قبل الميلاد.

إن بعضاً من هذه المستوطنات الصغيرة، ما هي إلاَّ تجمعات مؤقتة، حيث إنه بعد انتهاء فصل الصيف تعود إلى مقرها الأساسي، ولا يبعد كثيراً عن مقرها المؤقت هذا، وعادة هذه المراكز الصغيرة تخص أسراً ميسورة الحال، كانت تمارس الزراعة والتجارة وتربي الماشية أيضاً.

أما السيد "بيتر أكرمانس" مدير البعثة الهولندية المنقبة في تل "صبي الأبيض" فهو الآخر يرى ويقول: «.. وعليه يمكن القول إن تل "الدامشلية" كان موقعاً لمعسكر موسمي، استعمل لنشاطات معينة، ويعود لأكثر من مستوطنة دائمة في محيطها». "تقرير البعثة المنقبة عام /2006/م، متحف "الرقة" الأثري.

إنَّ السويات التي تعود إلى فترة ما قبل الفخار في تل "الدامشلية"، تعود بتاريخها إلى بداية الألف
حجر الأوبسديان
السابع قبل الميلاد، وإنَّ أقرب مثال لموجودات "الدامشلية"، نجده في تل "أسود" الذي لا يبعد عنه سوى بضع كيلومترات، وحسب التنقيبات التي نفذت في هذا التل التي أجراها العالم الأثري الفرنسي "جاك كوفان" عام /1972/م، فإنه وقف على سبع سويات تؤرخ بـ/6600- 6500/ ق.م، كما أن أقرب شبه لفخار تل "أسود" من حيث الشكل والصنعة، نجده في فخار "الدامشلية" مع بعض الاختلافات ذات الخصوصية المحلية..
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
وفي رأي متطرف للسيد "بيتر أكرمانس" يقول: «.. وعثر خارج حوض "البليخ" على أمثلة قليلة من الفخار الذي يشبه فخار تل "الدامشلية"، وتل "أسود"، وعليه فإنّ فخار "الدامشلية" الأسود هذا سابق لفخار "العمق"». المصدر السابق. أما الفخار الذي ينسب إلى "بقرص" على "الفرات" الأدنى بالقرب من "دير الزور"، فمن المحتمل أنه يعود إلى فترة متأخرة، حيث يؤرخ إلى الفترة ما بين /6400-5900/ ق.م، وقد تم العثور عليه في السويات العليا من الموقع، ويظهر فخار تل "بقرص" على "الفرات" أكثر تطوراً وأكثر إتقاناً في الصنعة من فخار "الدامشلية".

بعد انقطاع دام فترة طويلة من الزمن، يبدو أنها سنوات عجاف دامت مئات السنين، تمَّ استيطان جديد في موقع تل "الدامشلية"، في عهد "حلف"، ولكن على نطاق محدود، حيث أمكن التعرف على فخار هذا العهد في الجزء الجنوبي الغربي من التل، ويظهر هذا الفخار بشكل ملون وناعم، إلى جانب مجموعة من الفخار العادي غير الملوَّن ولكنه ناعم ومصقول.. لم تدم مستوطنة "حلف" في "الدامشلية" كثيراً، حيث هجر التل لآلاف السنين، إذ توجه الاستيطان بعد ذلك إلى تل "حمام التركمان" المجاور له مباشرة..

وفي المواسم اللاحقة كشف المنقبون على بقايا استيطانات متباعدة تاريخياً، الاستيطان الأول يعود إلى العصر الحديدي الذي جاء بعد أنْ هُجرت مستوطنة تل "حلف" لآلاف السنين، أما الاستيطان الثاني، فإنه يعود إلى العهدين "البارثي"
قطعة عظم مكتشفة في الرقة
والروماني، إذ وجد على قمة التل آثار استيطان من العهدين المذكورين، على شكل جدران طينية، وعلى عروة تشيران إلى الزمن المذكور.



المراجع: تقارير البعثة المنقبة في التل /1999/ م متحف "الرقة" الأثري.