اكتشاف اثار في مدينة الفار في الرقة
المصدر : موقع الرقة
eraqqa
تقع مدينة "الفار" على بعد /80/كم شمال مدينة "الرقة" على مقربة من قرية "حمام التركمان" الواقعة على مقربة من نهر "البليخ"، وتبعد أيضاً مسافة /5/كم إلى الشمال من تل "صبي الأبيض". وتتكون المدينة من مجموعة من الخرائب والأطلال المتهالكة كالتي نصادفها اليوم في مدينة "الرصافة" الأثرية. وهناك اليوم العديد من المدن التي تحمل اسم مدينة "الفار"، منها الموقع الواقع بالقرب من مدينة "معرة النعمان"، وآخر بالقرب من "مسكنة". وعلى ما يبدو أن العباسيين هم الذين أطلقوا عليها اسم مدينة "الفار"، والهدف منه تشويه سمعة العائلة الأموية، والنيل من رجالاتها، ومنهم الأمير "مسلمة بن عبد الملك"، الذي ترك بعض مواقعه للبيزنطيين، فدعيت هذه المواقع "الفار".
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]ويصف الباحث الآثاري "محمد العزو" أطلال مدبنة "الفار" بحديثه لموقع eRaqqa بتاريخ 5/1/2011 حيث يقول: «يبدو أنَّ مخطط المدينة جاء مطابقاً للحالة الطبوغرافية للموقع، إذ أنَّ الضلع الغربي للمدينة أخذ شكلاً ممتداً بشكل طولاني، يتقدم في الوسط بزوايا شبه قائمة. وكذلك الأمر بالنسبة للضلع الشمالي فهو مشابه للضلع الغربي. وقد بلغ طول المدينة من الشمال إلى الجنوب بحوالي /1400/م، وعرضها من الشرق إلى الغرب بحوالي/900/م، وتخترق هذه المساحة قناة أو نهر صغير جاف صيفاً، وفي السنوات المطيرة تكون مياهه جارية حتى في الصيف، وإلى الشرق توجد قناة كبيرة وهي مأخوذه من نهر "البليخ" لإرواء الأراضي الزراعية المحيطة بالمدينة آنذاك. أما حدود المدينة من الجهتين الشرقية والجنوبية، فهي غير واضحة المعالم بسبب التعديات، التي تعرض لها الموقع في تلك الأطراف من قبل الأهالي، أثناء قيامهم بحراثة الأراضي البعلية بواسطة الجرارات الحديثة.
في بداية العصر العباسي تعرضت المدينة لتدمير كامل أتى على كل بنيتها المعمارية، لذلك نجد أنَّ الهضاب والمرتفعات القليلة الارتفاع، تخفي في ثناياها البقايا المعمارية، التي تتكون منها مدينة "الفار" القديمة، وتشير هذه المرتفعات إلى وجود فناءات، وباحات تلتف حولها مجموعة من الغرف، كانت في الماضي تشكل دور وبيوت السكان وبعضها كان لها صفة تجارية، وهذا الأمر لم يتضح إلاَّ بعد إجراء التنقيبات الأثرية في الموقع.
تمتد مباني المدينة على أرض منبسطة باستثناء بعض المرتفعات الخفيفة، ويرى بعض المؤرخون ومنهم المرحوم الأستاذ "مصطفى الحسون"، أنّ بناء مدينة "الفار" على بعد/6/كم شرقي مجرى "البليخ" كان لسببين أساسيين: أولهما، إبعادها عن خطر فيضان النهر في فصل الربيع وثانيهما، أرضها المنبسطة الملائمة لبناء مدينة لها صفة عسكرية قريبة
أرضية المسجد المكتشفة
جداً من أرض الروم».
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]ويتابع "العزو" حديثه حول الحفريات الأثرية التي تمت في مدينة "الفار"، قائلاً: «بدأت الحفريات الأثرية المنهجية في مدينة الفار منذ عام/1986/م ولكن بشكل متقطع، إذ أنه خلال الثمانينات من القرن الماضي، لم تنفذ إلاَّ ثلاثة مواسم تنقيبية، بمشاركة الفني المرحوم "نسيب صليبي" من الجانب السوري، والمرحوم الدكتور "ميخائيل ماينكة" من الجانب الألماني. ففي المواسم السابقة تم تقسيم الموقع إلى ثلاثة قطاعات، واستمر العمل فيها لمدة ثلاثة شهور، وفي المواسم اللاحقة تم الكشف عن أهم المجموعات السكنية في المدينة، وبشكل عام نستطيع القول إنَّ الموقع يضمّ مجموعة من الحفر السطحية، وهي تشبه تلك التي ألفناها في مدينة "الرقة" عند منطقة جامع "المنصور" القديم، قبل التوسع في البناء الحديث. وتشاهد اللقى المتناثرة في هذه الحفر السطحية، والتي تشير إلى وجود أبنية بقي منها فقط الجدران بارتفاعات تتراوح بين المتر الواحد والنصف متر، وهي مبنية من مادة الآجر المشوي على أساسات من الحجر الحواري الأبيض».
وحول الواقع الأثري والتاريخي لمدينة "الفار"، تحدث لموقعنا السيد "محمد سرحان الأحمد"، مدير الآثار والمتاحف في "الرقة"، قائلاً: «تعمل في الموقع بعثة مشتركة سورية ألمانية، وذلك منذ عام /1986/م وبشكل متقطع. وتبلغ مساحة المدينة /94/ هكتاراً على شكل حصن يضم اثني عشر برجاً، ويأخذ مخططها العام شكل التحصينة المضلعة للقسم الشمالي، حيث المسجد الجامع، ودار الأمارة، وسكن القادة والأعيان، أما قسمها الجنوبي أقرب ما يكون إلى الشكل الدائري، يفصلها عن بعضها مسيل قادم من الشمال الشرقي يدعى نهر "سلوك".
وقد تم الكشف عن مجموعة من القصور شيدت أساساتها من الحجر المشذب، أما الجدران فبنيت من الآجر والجص، وكذلك ما تبقى
محراب مسجد دار الإمارة
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]من الباب الشمالي والجنوبي، والتي تذكرنا هندسة عمارتها بهندسة قصور "البادية" الأموية، كما في قصر "الحير" الشرقي والغربي، و"الخرانه" و"الأزرق" و"الحلابات"، وقد زينت جميع أبواب ونوافذ، ومحاريب الصلاة في المباني المكتشفة بأفاريز جصية ذات طبعات تختلف عن رسوم تزيينية لنباتات الكرمة، وهي ذات مواضيع مدهشة.
كما تم الكشف عن خزانات، وأحواض تجميع المياه، وقنوات صغيرة تحيط بالأبنية الأصلية في التجمع البنائي الشمالي لأغراض الحمامات والمطابخ، ومنها حمام صغير يقع إلى يمين مركز الحصن، و/16/ عموداً منخفضة ودائرية تحيط بحوض مثمن الأضلاع ذو طينة ومـلاط غير نافذ للمياه، وقد تهدمت المباني بفعـل الهزات الأرضية المتلاحقة التي ضربت المنطقة سابقاً.
ولا ننسى أن للموقع أهمية بالغة في الطرق القديمة الواصلة والقادمة من وإلى "الرقة" و"الرها" و"الجزيرة" السورية حتى أرمينيا وأذربيجان، وتكاد تتوسط الطرق بين "الرافقة" و"حران"».
وحول أعمال البعثة المنقبة في موقع مدينة "الفار"، يقول "الأحمد": «استأنفت البعثة الوطنية السورية أعمالها في الموقع المذكور، وهذا موسمها الثالث في الموقع، حيث كشفت البعثة الوطنية في الموسم السابق عن بناء يعود لقصر الإمارة الخاص بحصن "مسلمة بن عبد الملك"، والعديد من الغرف لسكن الأعيان، ووجود خزانات مياه، والبوابة الشرقية، ومكتشفات أثرية تم تسليمها لأمانة المتحف الوطني في "الرقة".
وتركز العمل في هذا الموسم في الجهة الجنوبية الغربية من الموقع، حيث تم الكشف عن مسجد يعود للفترة الأموية، وكشف عن جدرانه، وهي مبنية من اللبن ومطلية بمادة الجص، ورصفت أرضياتها بالآجر المشوي المربع الشكل، تحتوي أشكالاً هندسية، وزينت هذه الجدران بالأطر الجصية ذات الزخارف النباتية المحورة من الطبيعة، كما تم العثور على بئر من الجهة الجنوبية من المسجد، وهي
أطر جصية مكتشفة في الموقع
منطقة الموضأ، وتصريف المياه خارج المسجد.
تم فتح ستة مربعات لهذا الموسم، وهي بأبعاد 5×5 م، ومن ضمن هذه المربعات تم الكشف عن المسجد والمحراب الذي يتوجه نحو الجنوب أو القبلة الشريفة.
وحول المكتشفات الأثرية لموسم /2010/، فقد تم العثور على جرة فخارية فاقدة جزء منها، ثلاث قطع نقدية معدنية إسلامية، وصدفة، وودعة، ومسمار معدني صدئ، وسراج فخاري، ومسن حجري مثقوب، ومدق حجري، والعديد من الكسر الزجاجية، والكسر الفخارية لأواني وبقايا أطر جصية عليها رسوم نباتية.